البحث العلمـيُّ
لا يكون البحثُ علميّاً بالمعنى الصحيح إلاَّ إذا كانت الدراسة موضوعه مجرَّدة بعيدة عن المبالغة والتحيُّز، أنجزت وفق أسسٍ ومناهج وأصول وقواعد، ومرَّت بخطوات ومراحل، بدأت بمشكلةٍ وانتهت بحلِّها، وهي قبل هذا وبعده إنجاز لعقلٍ اتَّصف بالمرونة وبالأفق الواسع، فما البحثُ العلميُّ في تعريفه وفي مناهجه وفي ميزاته وخصائصه وفي خطواته ومراحله؟.http://sportsonliane.blogspot.com.eg/
تعريف البحث العلميِّ:
وردت لدى الباحثين في أصول البحث العلميِّ ومناهجه تعريفاتٌ تتشابهُ فيما بينها برغم اختلاف المشارب الثقافيَّة لأصحابها وبرغم اختلافِ لغاتهم وبلادهم؛ فمنها: في مفهوم وتني Whitney (1946)، البحثُ العلميُّ: استقصاءٌ دقيقٌ يهدف إلى اكتشاف حقائقَ وقواعدَ عامَّة يمكن التحقُّق منها مستقبلاً، (p.18)، كما أنَّ البحثَ العلميَّ استقصاءٌ منظَّمٌ يهدف إلى إضافة معارف يمكن توصيلها والتحقُّق من صحتها باختبارها علميّاً، (Polansky, p.2)، وقال هيل واي :(1964) Hillway يعدُّ البحثُ العلميُّ وسيلةً للدراسة يمكن بواسطتها الوصولُ إلى حلِّ مشكلة محدَّدة وذلك عن طريـق التقصِّي الشامل والدقيق لجميع الشواهد والأدلَّة التي يمكن التحقُّق منها والتي تتَّصل بها المشكلةُ المحدَّدة، (p.5)، وعرَّف ماكميلان وشوماخر البحثَ العلميَّ بأنَّه عمليَّة منظَّمة لجمع البيانات أو المعلومات وتحليلها لغرضٍ معيَّن، فيما تعريف البحث العلميِّ في مفهوم توكمان بأنَّه محاولةٌ منظَّمة للوصول إلى إجابات أو حلول للأسئلة أو المشكلات التي تواجه الأفراد أو الجماعات في مواقعهم ومناحي حياتهم، ذكر في: (عودة؛ ملكاوي، 1992م، ص16).
في حين عَرَّفَتْ ملحس (1960م) البحثَ العلميَّ بأنَّه محاولة لاكتشاف المعرفة والتنقيب عنها وتطويـرها وفحصـها وتحقيقها بتقصٍّ دقيق ونقدٍ عميق ثمَّ عرضها عرضاً مكتملاً بذكاءٍ وإدراكٍ لتسيرَ في ركب الحضارة العالميَّة، وتسهم فيها إسهاماً حيّاً شاملاً، (ص24)، وفي مفهوم غرايبه وزملائه (1981م) البحثُ العلميُّ هو طريقة منظَّمة أو فحص استفساريٌّ منظَّم لاكتشاف حقائق جديدة والتثبُّت من حقائق قديمة ومن العلاقات التي تربط فيما بينها والقوانين التي تحكمها، (ص5)، وعرَّفه أبو سليمان ( 1400هـ) بقوله: "البحثُ العلميُّ دراسةٌ متخصِّصة في موضوع معيَّن حسب مناهج وأصول معيَّنة"، (ص21).
وعُرِّفَ البحثُ التربويُّ وهو أحد فروع البحث العلميِّ في معجم التربية وعلم النفس بأنَّه دراسةٌ دقيقة مضبوطة تهدف إلى توضيح مشكلةٍ ما أو حلِّها، وتختلف طرقُها وأصولها باختلاف طبيعة المشكلة وظروفها، ذكر في: (فودة؛ عبدالله، 1991م، ص85)، وهو في مفهوم عودة وملكاوي (1992م) بأنَّه جهدٌ منظَّمٌ وموجَّهٌ بغرض التوصُّل إلى حلولٍ للمشكلات التربويَّة والتعليميَّة في المجالات التعليميَّة والتربويَّة المختلفة، (ص16).
وفي ضوء تلك التعريفات والمفاهيم السابقة يمكن الخروج بتعريفٍ ومفهومٍ عن البحث العلميِّ بأنَّه وسيلة يحاول بواسطتها الباحث دراسة ظاهرة أو مشكلةٍ ما والتعرُّف على عواملها المؤثِّرة في ظهورها أو في حدوثها للتوصُّل إلى نتائج تفسِّر ذلك، أو للوصول إلى حلٍّ أو علاج لذلك الإشكال، فإذا كانت المشكلة أو الظاهرة مشكلةً تعليميَّة أو تربويَّة سُمِّيَ بالبحثِ التربويِّ، ولزيادة إيضاح ذلك يمكن الإشارة إلى أنواع البحث العلميِّ.
أنواع البحث العلميِّ:
يعدُّ مجالُ البحثِ العلميِّ واسعاً بحيث يغطِّي جميعَ مناحي الحياة وحاجات الإنسان ورغباته، ومن ثَمَّ يكون اختلافُ البحوث العلميَّة باختلاف حقولها وميادينها تنويعاً لها، وعموماً فبالإضافة إلى ذلك تنقسم البحوثُ العلميَّة من حيث جدواها ومنفعتها إلى بحوثٍ رياديَّة يتمُّ فيها اكتشاف معرفة جديدة أو تحلُّ بها مشكلة قديمة، وإلى بحوث يتمُّ فيها تجميع المواد العلميَّة والمعارف أو الكشف عنها أو عرضها لغايات المقارنة والتحليل والنقد، وللنوع الأول دور أكبر في توسيع آفاق المعرفة الإنسانيَّة، (غرايبة وزملاؤه، 1981م، ص6)، فالبحثُ العلميُّ من حيث ميدانه يشير إلى تنوُّعه بالبحوث التربويَّة والاجتماعيَّة والجغرافيَّة والتاريخيَّة وغيرها، ومن حيث أهدافه يتنوَّع بالبحوثِ الوصفيَّة وبالبحوثِ التنبؤيَّة وببحوثِ تقرير السببيَّة وتقرير الحالة وغيرها، كما يتنوَّع البحثُ العلميُّ من حيث المكان إلى بحوثٍ ميدانيَّة وأخرى مخبريَّة، ومن حيث طبيعة البيانات إلى بحوثٍ نوعيَّة وأخرى كميَّة، ومن حيث صيغ التفكير إلى بحوثٍ استنتاجيَّة وأخرى استقرائيَّة، وهي في كلِّ أنواعها السابقة تندرج في قسمين رئيسين: بحوث نظريَّة بحتـة، وبحوث تطبيقيَّة عمليَّـة.
بل لا يقف تصنيفُ البحوثِ العلميَّة عند ذلك الحدِّ من التنوُّع بل إنَّها تصنَّف من حيث أساليبها في ثلاثة أنواعٍ رئيسة، (بدر، 1989م، ص ص17-23)، هي:
1- بحث التنقيب عن الحقائق:
يتضمَّن هذا النوع من البحوث التنقيب عن حقائق معيَّنة دون محاولة التعميم أو استخدام هذه الحقائق في حلِّ مشكلة معيَّنة، فحينما يقوم الباحثُ ببحث تاريخ الإشراف التربويِّ فهو يجمع الوثائق القديمة والتقارير والخطابات والتعماميم الوزارية وغيرها من المواد وذلك للتعرُّف على الحقائق المتعلِّقة بتطوُّر الإشراف التربويِّ، فإذا لم يكن هذا الباحث ساعياً لإثبات تعميم معيَّن عن الإشراف التربويِّ فإنَّ عمله بذلك يتضمَّن بصفةٍ أساسيَّة التنقيبَ عن الحقائق والحصول عليها.
2- بحث التفسير النقديِّ:
يعتمد هذا النوع من البحوث إلى حدٍّ كبير على التدليل المنطقيِّ وذلك للوصول إلى حلولِ المشكلات، ويستخدم هذا النوعُ عندما تتعلَّق المشكلة بالأفكار أكثر من تعلُّقها بالحقائق ففي بعض المجالات كالفلسفة والأدب يتناول الباحث الأفكار أكثر ممَّا يتناول الحقائق؛ وبالتالي فإنَّ البحثَ في ذلك يمكن أن يحتوي بدرجةٍ كبيرة على التفسير النقديِّ لهذه الأفكار، ولحدَّة النظر والفطنة وللخبرة تأثير في هذا النوع من البحوث؛ لاعتمادها على المنطق والرأي الراجح، وهذا النوع خطوةٌ متقدِّمة عن مجرَّد الحصول على الحقائق، وبدون هذا النوع لا يمكن الوصول إلى نتائج ملائمة بالنسبة للمشكلات التي لا تحتوي إلاَّ على قدرٍ ضئيلٍ من الحقائق المحدَّدة.
وفي التفسير النقديِّ لا بدَّ أن تعتمد المناقشةُ أو تتَّفق مع الحقائق والمبادئ المعروفة في المجال الذي يقوم الباحثُ بدراسته، وأن تكونَ الحججُ والمناقشاتُ التي يقدِّمها الباحثُ واضحةً منطقيَّة، وأن تكون الخطواتُ التي اتَّبعها في تبرير ما يقوله واضحة، وأن يكون التدليلُ العقليُّ وهو الأساس المتَّبع في هذه الطريقة تدليلاً أميناً وكاملاً حتى يستطيعَ القارئ متابعة المناقشة وتقبُّل النتائج التي يصل إليها الباحث، والخطر الأساسيُّ الذي ينبغي تجنُّبه في بحث التفسيِر النقديِّ هو أن تعتمدَ النتائج على الانطباعات العامَّة للباحث وليس على الحجج والمناقشات المنطقيَّة المحدَّدة.
3- البحث الكامل:
هذا النوع من البحوثِ هو الذي يهدفُ إلى حلِّ المشكلات ووضع التعميماتِ بعد التنقيب الدقيق عن جميع الحقائق المتعلِّقة بموضوع البحث (مشكلة البحث) إضافةً إلى تحليل جميع الأدلَّة التي يتمُّ الحصولُ عليها وتصنيفها تصنيفاً منطقيّاً فضلاً عن وضع الإطار المناسب اللازم لتأييد النتائج التي يتمُّ التوصُّلُ إليها، ويلاحظ أنَّ هذا النوع من البحوث يستخدم النوعين السابقين بالتنقيب عن الحقائق وبالتدليل المنطقيِّ ولكنَّه يعدُّ خطوة أبعد من سابقتيها.
وحتى يمكن أن تعدَّ دراسةٌ معيَّنة بحثاً (*)كاملاً يجب أن تتوفَّر في تلك الدراسة ما يأتي:
1) أن تكون هناك مشكلة تتطلَّبُ حلاًّ.
2) أن يوجد الدليلُ الذي يحتوي عادةً على الحقائق التي تمَّ إثباتها وقد يحتوي هذا الدليلُ أحياناً على رأي الخبراء (الدراسات السابقة).
3) أن يُحَلَّل الدليلُ تحليلاً دقيقاً وأن يصنَّفَ بحيث يُرَتَّب الدليلُ في إطارٍ منطقيٍّ وذلك لاختباره وتطبيقه على المشكلة.
4) أن يُسْتَخْدَمَ العقلُ والمنطقُ لترتيب الدليل في حججٍ أو إثباتاتٍ حقيقيَّة يمكن أن تؤدِّيَ إلى حلِّ المشكلة.
5) أن يُحَدَّدَ الحلُّ وهو الإجابةُ على السؤال أو المشكلة التي تواجه الباحث.
المنهج العلميُّ:
يرى أينشتاين أنَّ التفكيَر (المنهج) العلميَّ هو مجرد تهذيب للتفكير اليوميِّ، ذكر في: (عودة؛ ملكاوي، 1992م، ص13)، ويُعَرَّفُ المنهجُ العلميُّ بأنَّه الوسيلة التي يمكن عن طريقها الوصول إلى الحقيقة أو إلى مجموعة الحقائق في أيِّ موقفٍ من المواقف ومحاولة اختبارها للتأكُّد من صلاحيَّتها في مواقفَ أخرى وتعميمها للوصول بها إلى ما يطلق عليه اصطلاح النظريَّة؛ وهي هدفُ كلِّ بحثٍ علميٍّ، (زكي؛ يس، 1962م، ص8)، كما يُعَرَّفُ بأنَّه الطريق المؤدِّي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامَّة المهيمنة على سير العقل وتحديد عمليَّاته حتى يصلَ إلى نتيجةٍ معلومة، (بدوي، 1977م، ص5).
-----------------
(*) الدراسة والبحث مصطلحان مترادفان يعنيان شيئاً واحداً، ويفسَّر أحدهما بالثاني، ويتناوبان في كتابات الباحثين تناوب المترادف، ولم يعثر الباحث على تفريقٍ بينهما؛ ولكن يمكن القول: بأنَّ الدراسة مظهر من مظاهر البحث العلميِّ يتناول النوع الثالث وهو البحث الكامل.
ويعدُّ آخرون الأسلوبَ العلميَّ مرادفاً للأسلوب الاستقرائيِّ في التفكير، وهو أسلوبٌ لا يستند على تقليدٍ (أحد التقاليد) أو ثقلٍ أو سلطةٍ بل يستند على الحقائق، ويبدأ بملاحظة الظواهر التي تؤدِّي إلى وضع الفرضيَّات وهي علاقاتٌ يتخيَّلها الباحث بين الظواهر التي يلاحظها، ثمَّ يحاول التأكُّد من صدقها وصحَّتها ومن أنَّها تنطبق على جميع الظواهر الأخرى المشابهة لها وفي هذه المرحلة يَسْتَخْدِمُ التفكيرَ القياسيَّ في تطبيق تلك العلاقة على حالة خاصَّة جديدة، وهكذا فالاستقراء والاستنتاج يكمل كلٌّ منهما الآخرَ في المنهج العلميِّ، وتستحسن الإشارةُ إلى خطأ شائع يقع فيه مختصُّون في العلوم الطبيعيَّة فيستخدمون مصطلحَ التَّجْرِبَةَ كمرادفٍ للمنهج العلميِّ أو الطريقة العلميَّة؛ فالتجربـةُ وهي شكلٌ من أشكال العمل العلميِّ لا تمثِّل جميعَ جوانب المنهج العلميِّ الذي يتضمَّن جوانبَ عديدةٍ من النشاط، ذكر في: (بدر، 1989م، ص41).
ميزاتُ المنهج العلميِّ:
يمتاز المنهجُ العلميُّ كما ورد في تعريفاته السابقة وكما أشار إليها فان دالين (1969م، ص ص35-53) بالميزات الآتيـة:
1) بالموضوعيَّة والبعد عن التحيُّز الشخصيِّ، وبعبارةٍ أخرى فإنَّ جميع الباحثين يتوصَّلون إلى نفس النتائج باتِّباع نفس المنهج عند دراسة الظاهرة موضوع البحث، ويبدو ذلك بالمثالين التاليين: عليٌّ طالب مواظب على دوامه المدرسيِّ، عليٌّ طالب خلوق، فالعبارة الأولى عبارةٌ موضوعيَّة لأنَّها حقيقةٌ يمكن قياسها، فيما العبارة الثانية عبارةٌ غير موضوعيَّة تتأثَّر بوجهة النظر الشخصيَّة التي تعتمدُ على الحكم الذاتيِّ الذي يختلف من شخصٍ إلى آخر.
2) برفضه الاعتمادَ لدرجةٍ كبيرة وبدون تروٍ على العادات والتقاليد والخبرة الشخصيَّة وحكمةِ الأوائل وتفسيراتِهم للظواهر كوسيلة من وسائل الوصول إلى الحقيقة، ولكنَّ الاسترشادَ بالتراث الذي تراكم عبر القرون له قيمته، والاعتمادُ عليه فقط سيؤدِّي إلى الركودِ الاجتماعيِّ.
3) بإمكانيَّة التـثبُّت من نتائج البحث العلميِّ في أيِّ وقتٍ من الأوقات وهذا يعني أن تكون الظاهرةُ قابلةً للملاحظة.
4) بتعميم نتائج البحث العلميِّ، ويقصد بذلك تعميم نتائج العيِّنة موضوع البحث على مفردات مجتمعها الذي أُخِذَتْ منه والخروج بقواعد عامَّة يستفاد منها في تفسير ظواهر أخرى مشابهة، والتعميم في العلوم الطبيعيَّة سهلٌ، لكنَّه صعبٌ في العلوم الاجتماعيَّة والإنسانيَّة؛ ومردُّ ذلك إلى وجود تجانس في الصفات الأساسيَّة للظواهر الطبيعيَّة، ولكنَّ هذا يختلف بالنسبة للعلوم الاجتماعيَّة فالبشرُ يختلفون في شخصيَّاتهم وعواطفهم ومدى استجاباتهم للمؤثِّرات المختلفة ممَّا يصعبُ معه الحصول على نتائج صادقة قابلة للتعميم.
5) بجمعه بين الاستنباط والاستقراء؛ أي بين الفكر والملاحظة وهما عنصرا ما يعرف بالتفكير التأمُّليِّ، فالاستقراء يعني ملاحظة الظواهر وتجميع البيانات عنها بهدف التوصُّل إلى تعميماتٍ حولها، أمَّا الاستنباطُ فيبدأ بالنظريَّات التي تستنبط منها الفرضيَّات ثمَّ ينتقل بها الباحث إلى عالم الواقع بحثاً عن البيانات لاختبار صحَّة هذه الفرضيَّات، وفي الاستنباط فإنَّ ما يصدق على الكلِّ يصدق على الجزء؛ ولذا فالباحثُ يحاول أن يبرهنَ على أنَّ ذلك الجزء يقع منطقيّاً في إطار الكلِّ وتستخدم لهذا الغرض وسيلةٌ تعرف بالقياس، ويستخدم القياس لإثبات صدق نتيجة أو حقيقة معيَّنة، وإذا توصَّل الباحث إلى نتيجة عامَّة عن طريق الاستقراء فمن الممكن أن تستخدم كقضيَّة كبرى في استدلالٍ استنباطيّ.
6) بمرونته وقابليَّته للتعدُّد والتنوُّع ليتلاءمَ وتنوُّع العلوم والمشكلات البحثيَّة.
خصائصُ المنهج العلميِّ:
وكما أنَّ للمنهج العلميِّ ميزاتِـه فله خصائصُه، (بدر، 1989م، ص ص42-43) التي من أبرزها الآتـي:
1) يعتمد المنهجُ العلميُّ على اعتقادٍ بأنَّ هناك تفسيراً طبيعيّاً لكلِّ الظواهر الملاحظة.
2) يفترض المنهجُ العلميُّ أنَّ العالمَ كونٌ منظَّم لا توجد فيه نتيجةٌ بلا سبب.
3) يرفض المنهجُ العلميُّ الاعتماد على مصدر الثقة، ولكنَّه يعتمد على الفكرة القائلة بأنَّ النتائج لا تعدُّ صحيحةً إلاَّ إذا دعَّمها الدليل.
خطواتُ البحث العلميِّ:
يمرَّ البحثُ العلميُّ الكامل الناجح بخطواتٍ أساسيَّة وجوهريَّة، وهذه الخطوات يعالجها الباحثون تقريباً بالتسلسل المتعارف عليه، ويختلف الزمن والجهد المبذولان لكلِّ خطوة من تلك الخطوات، كما يختلفان للخطوة الواحدة من بحثٍ إلى آخر، (الصنيع، 1404هـ، ص4)، وتتداخل وتتشابك خطواتُ البحث العلميِّ الكامل بحيث لا يمكن تقسيم البحث إلى مراحل زمنيَّة منفصلة تنتهي مرحلةٌ لتبدأَ مرحلةٌ تالية، فإجراء البحوث العلميَّة عملٌ له أول وله آخر، وما بينهما توجد خطوات ومراحل ينبغي أن يقطعها الباحثُ بدقَّةٍ ومهارة، ومهارةُ الباحث تعتمد أساساً على استعداده وعلى تدريبه في هذا المجال، (بارسونز، 1996م، ص3)، وعلى أيَّة حال فخطواتُ البحث العلميِّ ومراحله غالباً ما تتَّبع الترتيبَ الآتـي:
1- الشعور بمشكلة البحث.
2- تحديد مشكلة البحث.
3- تحديد أبعاد البحث وأهدافه.
4- استطلاع الدراسات السابقة.
5- صياغة فرضيَّات البحث.
6- تصميم البحث.
7- جمع البيانات والمعلومات.
8- تجهيز البيانات والمعلومات وتصنيفها.
9- تحليل البيانات والمعلومات واختبار الفرضيَّات والتوصُّل إلى النتائج.
10- كتابة البحث والإجابة عن أسئلة الدراسة وتحقيق أهدافها.
وعموماً لا بدَّ من أن يُبْرِزَ الباحثُ تلك الخطوات بشكلٍ واضحٍ ودقيقٍ بحيث يستطيع قارئ بحثه معرفة كافَّة الخطوات التي مرَّ بها من البداية حتى النهاية؛ وهذا من شأنه أن يساعد القارئ في التعرُّف على أبعاد البحث وتقويمه بشكلٍ موضوعيٍّ ويتيح لباحثين آخرين إجراء دراسات موازيـة لمقارنة النتائج، (غرايبة وزملاؤه، 1981م، ص ص19-29).
أولاً: الشعورُ والإحساسُ بمشكلة البحث
يعدُّ الشعورُ والإحساسُ بمشكلة البحث نقطةَ البداية في البحث العلميِّ، والإحساس بالمشكلة مرتبط باستعمال الفكرة والتفكير لإيجاد الحلول المناسبة بصورة موضوعيَّة علميَّة، فهو إذن محكٌّ للفكر ولإثارة التفكير بصورةٍ مستمرَّة ومنتظمة ما دامت المشكلة قائمة وبحاجة إلى حلٍّ، (القاضي، 1404هـ، ص48)، وتنبع مشكلة البحث من شعور الباحث بحيرة وغموض تجاه موضوع معيَّن، ومن الضروريِّ التمييز بين مشكلة البحث ومشكلات الحياة العاديَّة، فمشكلةُ البحث هي موضوع الدراسة، أو هي كما عرَّفها القاضي (1404هـ) كلُّ ما يحتاج إلى حلٍّ وإظهار نتائج، (ص46)، أو هي تساؤل يدور في ذهن الباحث حول موضوع غامضٍ يحتاج إلى تفسير، فقد يدور في ذهن الباحث تساؤلٌ حول أبعاد العلاقة بين المعلِّم والطالب وتأثيرها في تحقيق أهداف العمليَّة التعليميَّة والتربويَّة، وبالتالي فإنَّه يقوم بإجراء دراسة حول هذا الموضوع؛ ومشكلة البحث في هذه الحالة هو التأثير الإيجابيُّ أو السلبيُّ لطبيعة العلاقة بين المعلِّم والطالب، وتزول مشكلةُ البحث بتفسيرها أو بإيجاد حلٍّ لها؛ فإذا ما توصَّل الباحث لطبيعة هذه العلاقة وتحديد تأثيرها فإنَّه يكون قد حلَّ المشكلة دون أن يكون مطلوباً منه أن يضعَ العلاج للأبعاد السلبيَّة فهذه مشكلةٌ بحثيَّةٌ أخرى، وعموماً فمشكلة الدراسة قد تكون نتيجةً (محمَّد الهادي، 1995م، ص48) لما يلي:
1- الشعور بعدم الرضا.
2- الإحساس بوجود خطأٍ ما.
3- الحاجة لأداء شيءٍ جديد.
4- تحسين الوضع الحالي في مجالٍ ما.
5- توفير أفكار جديدة في حلِّ مشكلة موجودة ومعروفة مسبقاً.
منابع مشكلات البحوث ومصادرها:
يعاني طلاَّب الدراسات العليا كباحثين مبتدئين من التوصُّل إلى مشكلات أبحاثهم ويلجأ بعضهم إلى الاستعانة بأساتذتهم أو مرشديهم وقد يطرح عليهم بعضُ أولئك مشكلاتٍ تستحقُّ الدراسة ولكنَّ ذلك يجعلهم أقلُّ حماسة وبالتالي أقل جهداً ومثابرة ممَّا يجعلهم يحقِّقون نجاحاتٍ أدنى من أولئك الذين توصَّلوا إلى تحديد مشكلاتِ دراساتهم بأنفسهم ويُنْصَحُ الباحثون المبتدئون ويُوَجَّهُون إلى أهمِّ مصادر ومنابع المشكلات البحثيَّة (غرايبة وزملاؤه، 1981م، ص20)، وهي المصادر أو المنابع الآتيـة:
** الخبرة الشخصيَّة: فالباحث تمرُّ في حياته تجاربُ عديدة ويكتسب كثيراً من الخبرات، وهذه وتلك تثير عنده تساؤلاتٍ حول بعض الأمور أو الأحداث التي لا يستطيع أن يجدَ لها تفسيراً؛ وبالتالي فإنَّه قد يقوم بإجراء دراسة أو بحثٍ لمحاولة الوصول إلى شرحٍ أو تفسيرٍ لتلك الظواهر الغامضة، والخبرة في الميدان التربويِّ مصدرٌ مهمٌّ لاختيار مشكلة بحثيَّة، فالنظرةُ الناقدة للوسط التربويِّ بعناصره المتعدِّدة وأشكال التفاعل بين هذه العناصر مصدرٌ غنيٌّ لكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات مبنيَّة على أساسٍ قويٍّ وموثوق من المعرفة.
** القراءة الناقدة التحليليَّة: إنَّ القراءة الناقدة لما تحتويه الكتب والدوريَّات وغيرها من المراجع من أفكار ونظريَّات قد تثير في ذهن الباحث عدَّة تساؤلاتٍ حول صدق هذه الأفكار، وتلك التساؤلات تدفعه إلى الرغبة في التحقُّق من تلك الأفكار أو النظريَّات؛ وبالتالي فإنَّه قد يقوم بإجراء دراسة أو بحث حول فكرةٍ أو نظريَّة يشكُّ في صحَّتها.
** الدراسات والبحوث السابقة: حيث أنَّ البحوثَ والدراساتِ العلميَّة متشابكةٌ ويكمل بعضُها البعضَ الآخر؛ ومن هنا قد يبدأ أحد الباحثين دراسته من حيث انتهت دراسةٌ لغيره، وكثيراً ما نجد في خاتمات الدراسات إشارات إلى ميادين تستحقُّ الدراسة والبحث ولم يتمكَّن صاحبُ الدراسة من القيام بها لضيق الوقت أو لعدم توفُّر الإمكانات أو أنَّها تخرج به عن موضوع دراسته الذي حدَّدَه في فصولها الإجرائيَّة، فلَفَتَ النظر إلى ضرورة إجراء دراساتٍ متمِّمة، ومن هنا قد يكون ذلك منبعاً لمشكلات بحثيَّة لباحثين آخرين.
** آراء الخبراء والمختصِّين: فالباحث يرجع إلى من هو أعلمُ منه في مجاله مستشيراً ومستعيناً بخبرته، فالمشرف على دراسته الذي يكون في بادئ الأمر مرشداً، وأساتذة الجامعات، وغيرهم من الخبراء في ميادينهم ومجالاتهم وبخاصَّة أولئك الذين جرَّبوا البحثَ ومارسوه في إطار المنهج العلميِّ وبصروا بخطواتِـه ومراحله ومناهجه وأدواتـه.
ثانياً: تحديد مشكلة البحث
بعد الشعور والإحساس بمشكلة البحث ينتقل الباحثُ خطوةً بتحديدها؛ وتحديد مشكلة البحث - أو ما يسمَّيها الباحثون أحيانا بموضوع الدراسة - بشكل واضح ودقيق يجب أن يتمَّ قبل الانتقال إلى مراحل البحث الأخرى، وهذا أمرٌ مهمٌّ لأنَّ تحديدَ مشكلة البحث هو البداية البحثيَّة الحقيقيَّة، وعليه تترتَّب جودة وأهميَّة واستيفاء البيانات التي سيجمعها الباحثُ ومنها سيتوصَّل إلى نتائج دراسته التي تتأثَّر أهميَّتُها بذلك، وهذا يتطلَّب منه دراسةً واعيةً وافيةً لجميع جوانبها ومن مصادر مختلفة، علماً أن تحديد مشكلة البحث بشكلٍ واضح ودقيق على الرغم من أهميَّة ذلك قد لا يكون ممكناً في بعض الأحيان، فقد يبدأ الباحثُ دراسته وليس في ذهنه سوى فكرة عامَّة أو شعورٍ غامضٍ بوجود مشكلةٍ ما تستحقُّ البحثَ والاستقصاء وبالتالي فإنَّه لا حرجَ من إعادة صياغة المشكلة بتقدُّم سير البحث ومرور الزمن، ولكنَّ هذا غالباً ما يكلِّفُ وقتاً وجهداً، (غرايبة وزملاؤه، 1981م، ص21)، وإذا كانت مشكلة البحث مركَّبةً فعلى الباحث أن يقوم بتحليلها وردِّها إلى عدَّة مشكلات بسيطة تمثِّل كلٌّ منها مشكلة فرعيَّة يساهم حلُّها في حلِّ جزءٍ من المشكلة الرئيسة، (الخشت، 1409هـ، ص21).
وهناك اعتبارات تجب على الباحث مراعاتها عند اختيار مشكلة بحثه وعند تحديدها، وعند صياغتها الصياغة النهائيَّة، منها ما يأتـي:
- أن تكون مشكلة البحث قابلةً للدراسة والبحث، بمعنى أن تنبثقَ عنها فرضيَّاتٌ قابلة للاختبار علميّاً لمعرفة مدى صحتها.
- أن تكون مشكلة البحث أصيلةً وذات قيمة؛ أي أنَّها لا تدور حول موضوعٍ تافه لا يستحقُّ الدراسة، وألاَّ تكون تكراراً لموضوع أشبع بحثاً وتحليلاً في دراسات سابقـة.
- أن تكون مشكلة البحث في حدود إمكانات الباحث من حيث الكفاءة والوقت والتكاليف، فبعض المشكلات أكبر من قدرات باحثيها فيضيعون في متاهاتها ويصابون بردَّة فعل سلبيَّة، ويعيقون باحثين آخرين عن دراستها، (غرايبة وزملاؤه، 1981م، ص21).
- أن تنطوي مشكلةُ الدراسة بالطريقة التجريبيَّة على وجود علاقة بين متغيِّرين وإلاَّ أصبح من غير الممكن صياغة فرضيَّة لها، (فودة؛ عبدالله، 1991م، ص37).
- أن تكون مشكلة الدراسة قابلة أن تصاغَ على شكل سؤال، ذكرت في: (فودة؛ عبدالله، 1991م، ص37).
- أن يتأكَّد الباحث بأنَّ مشكلة دراسته لم يسبقه أحدٌ إلى دراستها، وذلك بالاطِّلاع على تقارير البحوث الجارية وعلى الدوريَّات، وبالاتِّصال بمراكز البحوث وبالجامعات، وربَّما بالإعلان عن موضوع الدراسة في إحدى الدوريَّات المتخصِّصة في مجال بحثه إذا كان بحثُـه على مستوى الدكتوراه أو كان مشروعاً بنفس الأهميَّة، (بدر، 1989م، ص68).
ثالثـاً: تحديد أبعاد البحث وأسئلته وأهدافـه
إذا جاز اعتبار الخطوتين السابقتين مرحلةً فإنَّ المرحلة التالية لها وهي المرحلة الثانية تبدأ بهذه الخطوة التي تتألَّف من خطيوات لتشكِّل هذه المرحلة، وأبرز تلك الخطيوات الآتي:
أ - تحديد دوافع اختيار الباحث لموضوع بحثـه:
هنا تكون قد تبلورت لدى الباحث أسبابٌ ودوافع لاختياره موضوع بحثه فعليه أن يحدِّدها بوضوح لتكونَ مقنعةً للقارئ المختصِّ ليتابع قراءة بحثه، ولتكون ممهِّدةً له الطريق للسير في بحثه، ويُنْصَح الباحثون في ذلك ألاَّ يفتعلوا الأسبابَ والدوافعَ ليضفوا أهميَّةً زائفة على أبحاثهم فسرعان ما يكتشف المختصُّون ذلك فينصرفون عنها وعن الاستفادة منها.
ب- الأبعاد المكانيَّة والزمانيَّة والعلميَّة لموضوع بحثـه:
على الباحث أن يحدِّد أبعاد بحثه المكانيَّة والزمانيَّة والعلميَّة بإيضـاح مجاله التطبيقيِّ أي بتحديد المكان أو المنطقة أو مجتمع البحث ومفرداته، كأن يحدِّد ذلك بمدارس مدينة عنيزة، أو بالمدارس المتوسِّطة في منطقةٍ تعليمَيَّةٍ ما، وأن يحدِّدَ البعدَ الزمنيَّ اللازم لإنجاز بحثه أو الفترة أو الحقبة التي يتمُّ فيها البحث كأن يحدِّدها بالعام الدراسيِّ 1420هـ - 1421هـ، أو بسنـوات الخطَّـة الخمسيَّة السادسة (1415هـ - 14120هـ)، وأن يحدِّد البعد العلميَّ لبحثه بتحديد انتمائه إلى تخصُّصه العام وإلى تخصُّصه الدقيق مبيناً أهميَّة هذا وذلك التخصُّص وتطوُّرهما ومساهماتهما التطبيقيَّة في ميدانهما.
جـ- أسئلة البحث:
في ضوء ما سبق يمكن للباحث أن يحدِّد أسئلة بحثه التي يسعى البحثُ مستقبلاً للتوصُّل إلى إجاباتها وذلك بصياغتها صياغة دقيقة كأن تكون مثلاً لدراسة موضوع وظيفة المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها بصياغة الأسئلة الآتيـة:
1- ما وظيفة المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها بحسب أهدافها في السياسة العامَّة للتعليم في المملكة؟
2- هل تقوم المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها بوظيفتها المرسومة لها في السياسة العامَّة للتعليم في المملكة؟.
3- هل تتأثَّر وظيفةُ المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها بإمكاناتها البشريَّة؟.
4- هل تتأثَّر وظيفةُ المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها بإمكاناتها الماديَّة؟.
5- هل يعي التربويُّون في المدرسة الثانويَّة وظيفتها في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها وعياً يحقِّق الأهداف المرسومة لذلك؟.
6- إلى أيِّ حدٍّ يعي التربويُّون في المدرسة الثانويَّة وظيفتها في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها؟.
7- هل يعي المشرفون التربويُّون والمسؤولون في الإدارة التعليميَّة وظيفة المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها وعياً يساعد تربويِّـيـها على توجيههم إلى ذلك؟.
8- ما الخططُ المرسومة من قبل المدرسة الثانويَّة أو من قبل الإدارة التعليميَّة لتفعيل وظيفتها في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها؟.
9- هل يمكن أن تتحسَّنَ وظيفةُ المدرسة الثانويَّة بين واقعها وأهدافها؟.
د - أهداف البحث:
الهدف من البحث يفهم عادة على أنَّه السبب الذي من أجله قام الباحث ببحثه، ويمكن أن تشملَ أهداف البحث بيان بالاستخدامات الممكنة لنتائجه وشرح قيمة هذا البحث، وعموماً لا يمكن أن تدلَّ أهداف البحث على تحديد مشكلته (موضوعه)، فالباحثُ عادة وبعد أن يحدِّدَ أسئلة بحثه ينتقل خطوةً إلى ترجمتها بصياغتها على شكل أهدافٍ يوضِّحها تحت عنوان بارز، فالباحث حين يختار لبحثـه موضوعاً معيَّناً (مشكلة بحثيَّة) يهدف في النهاية إلى إثبات قضيَّة معيَّنة أو نفيها أو استخلاص نتائج محدَّدة، وتحديد الأهداف هو مفتاحُ النجاح في البحوث، فقد يشعر الباحثُ أثناء البحث بالإحباط أو الارتباك، وقد لا يدري إن كانت الحقائق التي جمعها ملائمة أو كافية، ولا يسعفه في مثل هذه المواقف إلاَّ الأهداف المحدَّدة، فتحديد الأهداف ذو صلة قويَّة بتحديد مشكلة البحث، وهو لاحق لا سابق لتحديدها، والباحث الذي يجيد تحديد وحصر موضوعه أكثر قدرةً على صياغة أهداف بحثه، وما تحديدُ أهداف البحث إلاَّ تحديدٌ لمحاوره التي سيتناولها الباحث من خلالها، ومن المبادئ التي يمكن الاسترشاد بها عند كتابة أهداف البحث المبادئُ الآتـية:
1- أن تكونَ أهداف البحث ذات صلة بطبيعة مشكلة البحث.
2- أن يتذكَّرَ الباحث دائماً أنَّ الأهداف المحدَّدة خيرٌ من الأهداف العامَّة.
3- أن تكونَ الأهداف واضحة لا غامضة تربك الباحث.
4- أن يختبرَ وضوح الأهداف بصياغتها على شكل أسئلة.
وفي موضوع المثال السابق يمكن أن تحدَّد أهداف دراسته بالأهداف الآتية:
1- تحديدٌ لوظيفة المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها مستقاة من السياسة العامَّة للتعليم في المملكة وأهداف المرحلة الثانويَّة.
2- تقويمٌ لواقع وظيفة المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها في ضوء ذلك.
3- التعرُّفُ على معوِّقات قيام المدرسة الثانويَّة ببعض جوانب وظيفتها في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها.
4- تقويمٌ لدور المشرفين التربويِّين والإدارة التعليميَّة في مساعدة المدرسة الثانويَّة للقيام بوظيفتها في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها.
5- وضعُ الاقتراحات والخطط لتفعيل وظيفة المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها.
6- التنبؤ بمدى التحسُّن في وظيفة المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بتأثير من الخطط التطويريَّة المرسومة.
هـ - مصطلحات ومفاهيم وافتراضات ومحدِّدات البحث:
يستخدم الباحثون مفاهيم ومصطلحات وافتراضات معيَّنة (غير الفرضيَّات) في أبحاثهم، كما تعاق أبحاثهم بمحدِّدات معيَّنة، وتلك ممَّا تلزم إشاراتُ الباحث إليها في إجراءات بحثه.
مصطلحات ومفاهيم البحث: لا بدَّ لأيِّ باحث من قيامه بتعريف المصطلحات التي سوف يستخدمها في بحثه حتَّى لا يساء فهمها أو تفهم بدلالاتٍ غير دلالاتها المقصودة فيها بالبحث، فكثيراً ما تتعدَّد المفاهيمُ والمعاني الخاصَّة ببعض المصطلحات المستخدمة في الأبحاث التربويَّة، لذلك لا بدَّ أن يحدِّد الباحث المعاني والمفاهيم التي تتناسب أو تتَّفق مع أهداف بحثه وإجراءاته، وتعريفُ المصطلحات يساعد الباحث في وضع إطارٍ مرجعيٍّ يستخدمه في التعامل مع مشكلة بحثه، وتنبغي منه الإشارةُ إلى مصادر تعريفات مصطلحات بحثه إذا استعارها من باحثين آخرين، (عودة،؛ ملكاوي، 1992م، ص47)، أو أن يحدِّدَ تعريفاتٍ خاصَّة به، فمثلاً يتألَّف عنوان دراسـة: تقويم وظيفة المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة والمجتمع المحيط بها من خمسة مصطلحاتٍ علميَّة هي: تقويم، وظيفة، المدرسة، البيئة، المجتمع، وهي مصطلحاتٌ تستخدمها عدَّةُ تخصُّصات علميَّة؛ تختلف فيما بينها في مفاهيمها فتضيق وتتَّسع الإطاراتُ العلميَّة لتلك المصطلحات من تخصُّصٍ علميٍّ إلى آخر، بل تختلف داخل التخصُّص الواحد من فرع إلى آخر، وليمتدَّ هذا الاختلافُ من باحثٍ إلى آخر في الفرع الواحد؛ لذا لا بدَّ من تحديدها بإيضاح مفاهيمها التي سيستخدمها الباحث في هذا البحث لدفع احتمال لبس أو سوء فهم أو تفسير متباين لبعضها، (بدر، 1989م، ص70)، هذا إضافة إلى ما سيستخدمه البحث من مصطلحات أخرى على الباحث أن يوضِّحَ مفهومه لها في المبحث النظريِّ من بحثـه، ويمكن أن تكونَ مؤقَّتاً في مواضع استخدامها لتساعده على تقدُّم بحثه لتنقل لاحقاً إلى مكانها الذي يعتاده الباحثون في صدر البحث.
يقول الفرَّا (1983م): لعلَّ من الواجب على الباحث الالتزام به هو تحديدُ معنى كلِّ مفهومConcept يستخدمه في بحثه إلى جانب قيامه بتعريف المصطلحات العلميَّة Technical terms التي يستعين بها في تحليلاته، لأنَّ مثل هذا وذاك خدمة له ولقرَّائه، إذْ يتمكَّن بذلك من التعبير عمَّا يريد قوله بطريقة واضحة وسليمة بحيث لا ينشأ بعدها جدلٌ حول ما يعنيه بهذه المفاهيم أو يقصده من تلك المصطلحات الفنيَّة والعلميَّة، وكثيراً ما يكون أساس الجدل والاختلاف في الرأي نتيجة لعدم وضوح الباحث فيما يرمي إليه من مفاهيم وتعابير ممَّا قد يترتَّب عليه فهمٌ خاطئ لهذا الباحث، (ص162)، والمفهوم هو الوسيلة الرمزيَّة Simbolic التي يستعين بها الإنسان للتعبير عن الأفكار والمعاني المختلفة بغية توصيلها للناس، (حسن، 1972م، ص172)، والمصطلحات هي أدوات تحصر المفاهيم وتقلِّصها وتحدِّدها.
افتراضات البحث: ويقصد بها تلك العبارات التي تمثِّل أفكاراً تعدُّ صحيحةً ويبني الباحثُ على أساسها التصميمَ الخاصَّ ببحثه، وتسمَّى أحياناً بالمسلَّمات وهي حقائق أساسيَّة يؤمن الباحثُ بصحَّتها وينطلق منها في إجراءات بحثه، (فودة؛ عبدالله، 1991م، ص234)، فعلى الباحث أن يشيرَ إلى تلك الافتراضات التي يعدُّها صحيحةً وغير قابلة للتغيير، وعموماً لا تعدُّ الافتراضات مقبولةً إلاَّ إذا توافرت بياناتٌ موضوعيَّة خاصَّة تدعمها، وتوافرت معرفةٌ منطقيَّة أو تجريبيَّة أو مصادر موثوقة يمكن الاطمئنان إليها، ومثل تلك الافتراضات في موضوع الدراسـة في المثال السابق افتراض يقول: يمكن أن يكونَ لدى طلاَّب المدرسة ومعلِّميها وعياً بمشكلات مجتمعها المحيط بها أكبر من وعي غيرهم، وفي موضوع دراسةٍ لتقويم البرامج التدريبيَّة التي ينفِّذها المشرفون التربويُّون لمعلِّمي محافظة عنيزة، يمكن أن يكون من افتراضاتها: يستطيع المعلِّمون أن يشاركوا في تقويم برامج تدريبهم، ومن المؤكَّد أن قيمة أيِّ بحث سيكون عرضة للشكِّ إذا كانت افتراضاته الأساسيَّة موضع تساؤلات؛ ولذلك فإنَّ على الباحث أن يختار افتراضات بحثه بعناية، وأن يضمِّنَ جميع افتراضات بحثه مخطَّط بحثه، وأن يتذكَّر دائماً أنَّه من العبث أن يضمَّنَ مخطَّط بحثه افتراضات ليست ذات علاقةٍ مباشرة بموضوع بحثه، (عودة؛ ملكاوي، 1992م، ص ص47-49).
محدِّدات البحث: كلُّ باحث لا بدَّ أن يتوقَّعَ وجود عوامل تعيق إمكانيَّة تعميم نتائج بحثه، تلك العوامل هي ما يسمِّيها الباحثون محدِّدات البحث، فلا يخلو أيُّ بحثٍ من مثل تلك المحدِّدات؛ لأنَّ البحث الذي تتمثَّل فيه خصائصُ الصدق والثبات بصورة كاملة لا يُتَوَقَّعُ أن يتحقَّقَ علميّاً، وتصنَّف محدِّداتُ البحث في فئتين، في فئة تتعلَّق بمفاهيم ومصطلحات البحث، فكثير من المفاهيم التربويَّة مثل التعلُّم، التحصيل، التشويق، الشخصيَّة، الذكاء هي مفاهيم عامَّة يمكن استخدامها بطرق مختلفة، وتعريفاتها المحدَّدة المستخدمة بالبحث تمثِّل تحديداً لنتائج البحث بحيث لا تصلح لتعميمها خارج حدود تلك التعريفات، وفي فئة من المحدِّدات تتعلَّق بإجراءات البحث، فطريقة اختيار أفراد أو مفردات الدراسة وأدوات جمع بياناتها وأساليب تحليلها وإجراءات تطوير أدواتها وغيرها أمثلة على هذه الفئة من المحدَّدات، ولذلك حين يشعر الباحثُ أنَّ بعض إجراءات البحث غير ملائمة تماماً ولكنَّه لا يستطيع أن يجعلَها أكثر ملاءمةً فلا حرجَ عليه إذا ما أفصح عن ذلك وعدَّه أحد محدِّدات البحث التي استطاع أن يميِّزها، (عودة، ملكاوي، 1992م، ص ص49-50).
رابعـاً: استطلاع الدراسات السابقة
تعدُّ هذه الخطوة بدايةَ مرحلةٍ جديدة من مراحل البحث يمكن أن يُطْلَقَ عليها وعلى لاحقتها الإطارُ النظريُّ للبحث أو للدراسة وهي المرحلة الثالثة، فبعد الخطوات الإجرائيَّة السابقة اتِّضحت جوانبُ الدراسة أو البحث فتبيَّنت الطريق للباحث وعرف طبيعة البيانات والمعلومات والحقائق التي ستحتاجها دراسته أو بحثه، وبما أنَّ البحوث والدراسات العلميَّة متشابكة ويكمل بعضُها البعضَ الآخر ويفيد في دراساتٍ لاحقة، ويتضمَّن استطلاع الدراسات السابقة مناقشة وتلخيص الأفكار الهامَّة الواردة فيها، وأهميَّة ذلك تتَّضح من عدة نواحٍ، (غرايبة وزملاؤه، 1981م، ص22)، هي:
1- توضيح وشرح خلفيَّة موضوع الدراسة.
2- وضع الدراسة في الإطار الصحيح وفي الموقع المناسب بالنسبة للدراسات والبحوث الأخرى، وبيان ما ستضيفه إلى التراث الثقافيِّ.
3- تجنُّب الأخطاء والمشكلات التي وقع بها الباحثون السابقون واعترضت دراساتهم.
4- عدم التكرار غير المفيد وعدم إضاعة الجهود في دراسة موضوعات بحثت ودرست بشكلٍ جيِّد في دراسات سابقـة.
فمن مستلزمات الخطَّة العمليَّة للدراسة دراسةُ الموضوعات التي لها علاقة بموضوع الباحث؛ لذلك فعليه القيام بمسحٍ لتلك الموضوعات؛ لأنَّ ذلك سيعطيه فكرة عن مدى إمكانيَّة القيام ببحثه، ويثري فكره ويوسِّع مداركه وأفقَه، ويكشف بصورة واضحة عمَّا كتب حول موضوعه، والباحث حين يقوم بمسحه للدراسات السابقة عليه أن يركِّز على جوانب تتطلَّبها الجوانبُ الإجرائيَّة في دراسته أو بحثه، ((Haring & Lounsbury, 1975, pp.19-22، وهي:
1- أن يحصرَ عدد الأبحاث التي عملت من قبل حول موضوع دراستـه.
2- أن يوضِّحَ جوانب القوَّة والضعف في الموضوعات ذات العلاقة بموضوع دراسته.
3- أن يبينَ الاتجاهات البحثيَّة المناسبة لمشكلة بحثه كما تظهر من عمليَّة المسح والتقويم.
ويمكن للباحث عن طريق استقصاء الحاسبات الآليَّة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وفي مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلاميَّة، وفي مكتبة الملك فهد الوطنيَّة، وعن طريق الاطِّلاع على بيبليوغرافيا الرسائل العلميَّة في الدراسات العليا وبيبليوغرافيا الدوريَّات المحكَّمة التي تنشر الأبحاث في مجال موضوعِ دراسته أن يستكشفَ كلَّ ما كتب عن موضوع دراسته ويتعرَّف على مواقعها وربَّما عن ملخصاتٍ عنها.
كما تعدُّ النظريَّاتُ ذات العلاقة بموضوع الدراسة ممَّا يجب اطِّلاع الباحث عليها وفحصها بتطبيقها فيما يتَّصل بموضوعه، أو إثبات عدم صلاحيَّتها في ذلك في مدخلاتها ومخرجاتها، وأن يسلك في ذلك المنهج العلميَّ، ويجب ألاَّ ينسى الباحث أنَّ الدوريَّات العلميَّة تعدُّ من أهمِّ مصادر المعلومات والبيانات الجاهزة ولا سيما الدوريَّات المتخصِّصة منها والتي لها علاقة بموضوع بحثه، وتخصِّص المكتباتُ العامَّة عادة قسماً خاصّاً بالدوريَّات، وأهمُّ ميزة للدوريَّات أنَّها تقدِّم للباحث أحدث ما كتب حول موضوعه، وأنَّها تلقي الأضواء على الجوانب التي تعدُّ مثارَ جدلٍ بين الباحثين بمختلف حقول التخصُّص، وتلك الجوانب تعدُّ مشكلاتٍ جديرة بإجراء أبحاث بشأنها، (غرايبة وزملاؤه، 1981م، ص32).
خامساً: صياغة فرضيَّات البحث
يجب على الباحث في ضوء المنهج العلميِّ أن يقوم بوضع الفرضيَّة أو الفرضيَّات التي يعتقدُ بأنَّها تؤدِّي إلى تفسير مشكلة دراسته، ويمكن تعريف الفرضيَّة بأنَّها:
1- تفسير مؤقَّت أو محتمل يوضِّح العوامل أو الأحداث أو الظروف التي يحاول الباحث أن يفهمَـها، (دالين، 1969م، ص22).
2- تفسيرٌ مؤقَّت لوقائع معيَّنة لا يزال بمعزل عن اختبار الوقائع، حتى إذا ما اختبر بالوقائع أصبح من بعد إمَّا فرضاً زائفاً يجب أن يُعْدَلَ عنه إلى غيره، وإمَّا قانوناً يفسِّر مجرى الظواهر كما قال بذلك باخ: هي ذكر في: (بدوي، 1977، ص145).
3- تفسيرٌ مقترح للمشكلة موضوع الدراسة، (غرايبة وزملاؤه، 1981م، ص22).
4- تخمينٌ واستنتاجٌ ذكيٌّ يصوغه ويتبنَّاه الباحث مؤقَّتاً لشرح بعض ما يلاحظه من الحقائق والظواهر، ولتكونَ هذه الفرضيَّة كمرشد له في الدراسة التي يقوم بها، (بدر، 1989م، ص71).
5- إجابةٌ محتملةٌ لأحد أسئلة الدراسة يتمُّ وضعها موضع الاختبار، وذلك كما عرَّفها عودة وملكاوي، (1992م، ص43).
وعموماً تتَّخذ صياغـةُ الفرضيَّة شكلين أساسيَّين:
1- صيغة الإثبات: ويعني ذلك صياغة الفرضيَّة بشكلٍ يثبتُ وجود علاقة سواءٌ أكانت علاقة إيجابيَّة أم كانت علاقة سلبيَّة، مثال: توجد علاقةٌ إيجابيَّة بين وظيفة المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها وبين أعداد معلِّميها، أو توجد علاقةٌ سلبيَّة بين وظيفة المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها وبين نوعيَّة مبناها.
2- صيغة النفي: ويعني ذلك صياغة الفرضيَّة بشكلٍ ينفي وجود علاقة سواءٌ أكانت علاقة إيجابيَّة أم كانت علاقة سلبيَّة، مثال: لا توجد علاقةٌ إيجابيَّة بين وظيفة المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها وبين أعداد معلِّميها، أو لا توجد علاقةٌ سلبيَّة بين وظيفة المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة وفي مجتمعها المحيط بها وبين نوعيَّة مبناها.
ومن العسير أن يُرْسَم خطٌّ فاصلٌ بين كلٍّ من الفرضيَّة والنظريَّة، والفرق الأساسيُّ بينهما هو في الدرجة لا في النوع، فالنظريَّة في مراحلها الأولى تسمَّى بالفرضيَّـة، وعند اختبار الفرضيَّة بمزيدٍ من الحقائق بحيث تتلاءم الفرضيَّة معها فإنَّ هذه الفرضيَّة تصبح نظريَّة، أمَّا القانون فهو يمثِّل النظام أو العلاقة الثابتة التي لا تتغيَّر بين ظاهرتين أو أكثر، وهذه العلاقة الثابتة الضروريَّة بين الظواهر تكون تحت ظروف معيَّنة، ومعنى ذلك أنَّ القوانين ليست مطلقة، وإنَّما هي محدودة بالظروف المكانيَّة أو الزمانيَّة أو غير ذلك، كما أنَّ هذه القوانين تقريبيَّة؛ بمعنى أنَّها تدلُّ على مقدار معرفة الباحثين بالظواهر التي يقومون بدراستها في وقتٍ معيَّن، وبالتالي فمن الممكن أن تستبدل القوانين القديمة بقوانين أخرى جديدة أكثر منها دقَّةً وإحكامَا، (بدر، 1989م، ص71).
أهميَّة الفرضيَّة:
تنبثق أهميَّة الفرضيَّة عن كونها النور الذي يضيء طريقَ الدراسة ويوجِّهها باتِّجاهٍ ثابت وصحيح، (غرايبة وزملاؤه، 1981م، ص23)، فهي تحقِّق الآتي:
1- تحديد مجال الدراسة بشكلٍ دقيق.
2- تنظيم عمليَّة جمع البيانات فتبتعد بالدراسة عن العشوائيَّة بتجميع بيانات غير ضروريَّة وغير مفيدة.
3- تشكيل الإطار المنظِّم لعمليَّة تحليل البيانات وتفسير النتائج.
مصادر الفرضيَّة:
تتعدَّد مصادر الفرضيَّة، فهي تنبعُ من نفس الخلفيَّة التي تتكشَّف عنها المشكلات، (بدر، 1989، ص72)، فقد تخطر على ذهن الباحث فجأة كما لو كانت إلهاماً، وقد تحدث بعد فترة من عدم النشاط تكون بمثابة تخلُّصٍ من تهيؤ عقليٍّ كان عائقاً دون التوصُّل إلى حلِّ المشكلة، ولكنَّ الحلَّ على وجه العموم يأتي بعد مراجعةٍ منظَّمة للأدلَّة في علاقاتها بالمشكلة وبعد نظرٍ مجدٍّ مثابر، (جابر، 1963م، ص ص57-59)، ولعلَّ أهم مصادر الفرضيَّة كما قال بها غرايبة وزملاؤه (1989م، ص23) المصادر الآتيـة:
1- قد تكون الفرضيَّة حدساً أو تخميناً.
2- قد تكون الفرضيَّة نتيجة لتجارب أو ملاحظات شخصيَّة.
3- قد تكون الفرضيَّة استنباطاً من نظريَّاتٍ علميَّة.
4- قد تكون الفرضيَّة مبنيَّة على أساس المنطق.
5- قد تكون الفرضيَّة باستخدام الباحث نتائج دراسات سابقـة.
وتتأثَّر مصادر الفرضيَّات ومنابعها لدى الباحث بمجال تخصُّصه الموضوعيِّ، وبإحاطته بجميع الجوانب النظريَّة لموضوع دراسته، وقد يتأثَّر بعلوم أخرى وبثقافة مجتمعه وبالممارسات العمليَّة لأفراده وبثقافاتهم، وقد يكون خيال الباحث وخبرته مؤثِّراً مهمَاً لفرضيَّاته، ولعلَّ من أهم شروط الفرضيَّات والإرشادات اللازمة لصياغتها، (بدوي، 1977م، ص151)؛ (بدر، 1989م، ص74)؛ (عودة؛ ملكاوي، 1992م، ص43)، هي الشروط والإرشادات الآتية:
1- إيجازها ووضوحها: وذلك بتحديد المفاهيم والمصطلحات التي تتضمَّنها فرضيَّاتُ الدراسة، والتعرُّف على المقاييس والوسائل التي سيستخدمها الباحث للتحقُّق من صحَّتها.
2- شمولها وربطها: أي اعتماد الفرضيَّات على جميع الحقائق الجزئيَّة المتوفِّرة، وأن يكون هناك ارتباطٌ بينها وبين النظريَّات التي سبق الوصول إليها، وأن تفسِّرَ الفرضيَّات أكبر عدد من الظواهر.
3- قابليَّتها للاختبار: فالفرضيَّات الفلسفيَّة والقضايا الأخلاقيَّة والأحكام القِيَمِـيَّة يصعب بل يستحيل اختبارُها في بعض الأحيان.
4- خلوها من التناقض: وهذا الأمر يصدق على ما استقرَّ عليه الباحثُ عند صياغته لفرضيَّاته التي سيختبرها بدراسته وليس على محاولاته الأولى للتفكير في حلِّ مشكلة دراستـه.
5- تعدُّدها: فاعتماد الباحث على مبدأ الفرضيَّات المتعدِّدة يجعله يصل عند اختبارها إلى الحلِّ الأنسب من بينها.
6- عدم تحيُّزها: ويكون ذلك بصياغتها قبل البدء بجمع البيانات لضمان عدم التحيُّز في إجراءات البحث، (عودة؛ ملكاوي، 1992م، ص43).
7- اتِّساقها مع الحقائق والنظريَّات: أي ألا تتعارض مع الحقائق أو النظريَّات التي ثبتت صحَّـتُـها، (فودة؛ عبدالله، 1991م، ص234).
8- اتِّخاذها أساساً علميّاً: أي أن تكون مسبوقة بملاحظة أو تجربة إذْ لا يصحُّ أن تأتي الفرضيَّة من فراغ، (فودة؛ عبدالله، 1991م، ص235).
وغالباً ما يضع الباحث عدَّة فرضيَّات أثناء دراسته حتى يستقرَّ آخر الأمر على إحداها وهي التي يراها مناسبة لشرح جميع البيانات والمعلومات، وهذه الفرضيَّة النهائيَّة تصبح فيما بعد النتيجةَ الرئيسة التي تنتهي إليها الدراسة، (بدر، 1989م، ص72)، علماً أنَّ نتيجة الدراسة شيءٌ يختلف عن توصياتها، فتوصيات الدراسة هي اقتراحات إجرائيَّة يقترحها الباحث مبنيَّة على نتائج الدراسة، وأنَّ الفرضيَّات المرفوضة أو البدايات الفاشلة هي من جوانب الدراسة التي لا يستطيع القارئ أن يطَّلع عليها، فالباحث استبعدها من دراسته نهائيّـاً.
ومن الضروري جدّاً أن يتمَّ تحديد فرضيَّات البحث بشكلٍ دقيق، وأن يتمَّ تعريف المصطلحات الواردة في الفرضيَّات تعريفاً إجرائيّاً، فذلك يسهِّل على الباحث صياغة أسئلة استبانة دراسته أو أسئلة استفتائه أو أسئلة مقابلته للمبحوثين صياغة تمنع اللبسَ أو الغموضَ الذي قد يحيـط ببعض المصطلحات، (غرايبة وزملاؤه، 1981م، ص ص23-24)، فصياغة الفرضيَّة صياغة واضحة تساعد الباحث على تحديد أهداف دراسته تحديداً واضحاً، (فودة؛ عبدالله، 1991م، ص37)، وإذا تعدَّدت الفرضيَّات التي اقترحت كحلولٍ لمشكلة البحث بحيث يكون أحدها أو عدد منها هو الحلُّ فلا بدَّ في هذه الحالة أن يكون اختيار الفرضيَّة التي ستكون هي الحلُّ والتفسير لمشكلة البحث اختياراً موضوعيّاً؛ أي أن يأتي هذا الاختيار عن دراسة وتفهُّم للفرضيَّات جميعها، ثم اختيار فرضيَّة منها على أنَّها هي الأكثر إلحاحاً من غيرها في إيجاد المشكلة، أو في حلِّ المشكلة بحلِّها، (القاضي، 1404هـ، ص51)، وتجب الإشارة إلى أن بعض الأبحاث قد لا تتضمَّن فرضيَّات كالبحث الذي يستخلص مبادئ تربويَّة معيَّنة من القرآن الكريم، (فودة؛ عبدالله، 1991م، ص235)، أو البحث الذي يكتب تاريخ التعليم في منطقة ما، أو الذي يكتب سيرة مربٍّ وتأثيره في مسيرة التربية والتعليم.
سادساً: تصميم البحث
يعدُّ تصميمُ البحث المرحلة الرابعة من مراحل البحث وتشتمل على الخطوات الآتية:
أ - تحديد منهج البحث.
ب- تحديد مصادر بيانات ومعلومات البحث.
جـ- اختيار أداة أو أدوات جمع بيانات البحث.
أ - تحديد منهج البحث:
يقصد بذلك أن يحدِّد الباحث الطريقة التي سوف يسلكها في معالجة موضوع بحثه لإيجاد حلولٍ لمشكلة بحثه، وتسمَّى تلك الطريقة بالمنهج، ولا بدَّ من الإشارة في الجانب النظريِّ والإجرائيِّ من الدراسة إلى المنهج أو المناهج التي يرى الباحثُ أنَّها الأصلح لدراسته، فلا يكفي أن يختارها ويسير في دراسته وفقها دون أن يشير إليها، لذلك يجب عند كتابة منهج البحث أن يراعي الباحث ما يلـي:
1) أن يكون منهج البحث منظَّماً بحيث يتيح لباحث آخر أن يقوم بنفس البحث أو يعيد التجارب ذاتها التي قام عليها منهج البحث.
2) أن يوضِّح الباحثُ للقارئ ما قام به من إجراءات وأعمال ونشاطات ليجيبَ عن التساؤلات التي أثارتها المشكلة موضوع البحث.
والمقصود هنا أن يحدِّد الباحث بدقَّة وموضوعيَّة المشكلة التي قام بدراستها وأن يحدِّد الأساليب والطرق والنشاطات التي اتَّبعها لإيجاد حلولٍ لها بحيث لا يترك لبساً أو غموضاً في أيٍّ من جوانبها؛ وهذا يتطلَّب معرفة الإجراءات التي عملها وقام بها قبل إنجازه بحثه أو دراسته، وهي:
1) تخطيط كامل لما سيقوم به وما يلزمه من أدوات ووقت وجهد.
2) تنفيذ المخطَّط بدقَّة بحسب تنظيمه مع ذكر ما يطرأ عليه من تعديلات بالزيادة أو بالحذف في حين حدوثها.
3) تقويم خطوات التنفيذ بصور مستمرَّة وشاملة حتى يتعرَّف الباحث على ما يتطلَّب تعديلاً دونما أيِّ تأخير أو ضياع للوقت أو الجهد.
وعلى هذا فعليه ألاَّ يحذف الباحث أيَّة تفصيلات مهما كانت غير مهمَّة أو غير لازمة من وجهة نظره، لأنَّ حذفها ربَّما أثَّر على عدم إمكانيَّة باحث آخر بإعادة عمل البحث؛ وهذا يعدُّ من المآخذ التي تؤخذ على البحث وعلى الباحث، (القاضي، 1404هـ، ص52)، فقد أشار إلى ذلك أندرسون Anderson (1971) بقوله: إنَّ ممَّا يدلُّ على أن أفضل الاختبارات التي تستعمل لتقويم أيِّ بحثِ بصورة عامَّة والمنهج المستخدم فيه بصورة خاصَّة هو الاختبار الذي يجيب على السؤال الذي يتساءل عن استطاعة باحث آخر أن يكرِّر عمل البحث الذي قام به الباحث الأوَّل مستعيناً بالمخطَّط الذي وضعه الباحث الأول وما وصفه من طرق اتَّبعها في تطبيقه أم لا، (pp.138-139).
ومن هنا تظهر أهميَّة الاهتمام بمنهج البحث المتبَّع من قبل الباحث إذْ لا بدَّ من شرحه الكيفيَّةَ التي يطبِّق بها منهج دراسته فيصف أموراً، (محمود، 1972م، ص71) منها الآتي:
1) تعميم نتائج بحثـه.
2) المنطق الذي على أساسه يربط بين المادة التجريبيَّة والقضايا النظريَّة.
3) أفراد التجربة أو مفردات مجتمع البحث.
4) العيِّنة في نوعها ونسبتها وأساليب اختيارها وضبطها.
5) وسائل القياس المستخدمة في البحث.
6) أدوات البحث الأخرى.
7) الأجهزة المستخدمة في البحث.
وعموماً إنَّ وصف تلك الأمور يساعد الباحثين الآخرين على تتبُّع طريق الباحث الأول وتفهُّم ما يرمي إليه وما يتحقَّق لديه من نتائج وما صادفه من عقبات ومشكلات وكيفيَّة تذليلها من قبله، (القاضي، 1404هـ، ص53).
مناهج البحث:
استخدم الإنسان منذ القدم في تفكيره منهجين عقليَّين، هما:
1- التفكير القياسيُّ:
ويسمَّى أحياناً بالتفكير الاستنباطيِّ، استخدم الإنسان هذا المنهج ليتحقَّقَ من صدق معرفة جديدة بقياسها على معرفةٍ سابقة، وذلك من خلال افتراضِ صحَّة المعرفة السابقة، فإيجاد علاقة بين معرفةٍ قديمة ومعرفةٍ جديدة تُسْتَخْدَمُ قنطرةً في عمليَّة القياس، فالمعرفـةُ السابقة تسمَّى مقدّمة والمعرفة اللاحقة تسمَّى نتيجة، وهكذا فإنَّ صحَّة النتائج تستلزم بالضرورة صحَّة المقدِّمات، فالتفكير القياسيُّ منهج قديم استخدمه الإنسان ولا يزال يستخدمه في حلِّ مشكلاته اليوميَّة.
2- التفكير الاستقرائيُّ:
استخدم الإنسان أيضاً هذا المنهجَ ليتحقَّق من صدق المعرفة الجزئيَّة بالاعتماد على الملاحظة والتجربة الحسيَّة، فنتيجةً لتكرار حصول الإنسان على نفس النتائج فإنَّه يعمد إلى تكوين تعميمات ونتائج عامَّة، فإذا استطاع الإنسان أن يحصرَ كلَّ الحالات الفرديَّة في فئة معيَّنة ويتحقَّق من صحَّتها بالخبرة المباشرة عن طريق الحواس فإنَّه يكون قد قام باستقراءٍ تامٍّ وحصل على معرفة يقينيَّة يستطيع تعميمها دون شكٍّ إلاَّ أنَّه في العادة لا يستطيع ذلك بل يكتفي بملاحظة عددٍ من الحالات على شكل عيِّنة ممثِّلة ويستخلص منها نتيجةً عامَّة يفترض انطباقها على بقيَّة الحالات المشابهة وهذا هو الاستقراء الناقص الذي يؤدِّي إلى حصوله على معرفةٍ احتماليَّة، وهي ما يقبلها الباحثون على أنَّها تقريب للواقع، (عودة؛ ملكاوي، 1992م، ص ص11-12).
ويرى وتني Whitney أنَّ المنهج يرتبط بالعمليَّات العقليَّة نفسها اللازمة من أجل حلِّ مشكلة من المشكلات، وهذه العمليَّات تتضمَّن وصف الظاهرة أو الظواهر المتعلِّقة بحلِّ المشكلة بما يشمله هذا الوصف من المقارنة والتحليل والتفسير للبيانات والمعلومات المتوفِّرة، كما ينبغي التعرُّفُ على المراحل التاريخيَّة للظاهرة، والتنبؤ بما يمكن أن تكون عليه الظاهرة في المستقبل، وقد يستعين الباحث بالتجربة لضبط المتغيِّرات المتباينة، كما ينبغي أن تكون هناك تعميمات فلسفيَّة ذات طبيعة كليَّة ودراسات للخلق الإبداعيِّ للإنسان؛ وذلك حتى تكون دراسة المشكلة بشكل شامل وكامل، وتكون النتائج أقرب ما تكون إلى الصحَّة والثقة، ذكر في: (بدر، 1989م، ص181)، فإذا كان منهج البحث بوصفه السابق وبمعناه الاصطلاحيِّ المستعمل اليوم هو أنَّه الطريق المؤدِّي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامَّة التي تهيمن على سير العقل وتحدِّد عمليَّاته حتى يصلَ إلى نتيجة معلومة، فإنَّ المنهج بحسب هذا المفهوم قد يكون مرسوماً من قبل بطريق تأمُّليَّة مقصودة، وقد يكون نوعاً من السير الطبيعيِّ للعقل لم تحدَّد أصوله سابقاً، ذلك أنَّ الإنسان في تفكيره إذا نظَّم أفكاره ورتَّبها فيما بينها حتى تتأدَّى إلى المطلوب على أيسر وجه وأحسنه على نحوٍ طبيعيٍّ تلقائيٍّ ليس فيه تحديد ولا تأمُّل قواعد معلومة من قبل فإنَّه في هذا سار وفق المنهج التلقائيِّ، أما إذا سار الباحث على منهج قد حدِّدت قواعده وسنَّت قوانينُه لتتبيَّن منها أوجهُ الخطأ والانحراف من أوجه الصواب والاستقامة، فإنَّ هذا المنهج بقواعده العامَّة الكليَّة يسمِّى بالمنهج العقليِّ التأمُّليّ، (بدوي، 1977م، ص ص5-6).
وعموماً تتعدَّد أنواع المناهج تعدُّداً جعل المشتغلين بمناهج البحث يختلفون في تصنيفاتهم لها، فيتبنَّى بعضهم مناهج نموذجيَّة رئيسة ويعدُّ المناهج الأخرى جزئيَّة متفرِّعة منها، فيما يعدُّ هؤلاء أو غيرهم بعض المناهج مجرد أدوات أو أنواع للبحث وليست مناهج، (بدر، 1989م، ص181)، ومن أبرز مناهج البحث العلميِّ كما أشار إليها بدر (1989م) بعد استعراضه لتصنيفات عدد من المؤلِّفين والباحثين المنهجُ الوثائقيُّ أو التاريخيُّ، المنهجُ التجريبيُّ، المسحُ، دراسةُ الحالة، والمنهجُ الإحصائيُّ. (ص186)
فيما صنَّف وتني Whitney، مناهج البحث إلى ثلاثة مناهج رئيسة، هي:
1- المنهج الوصفيُّ: وينقسم إلى البحوث المسحيَّة والبحوث الوصفيَّة طويلة الأجل وبحوث دراسة الحالة، وبحوث تحليل العمل والنشاط والبحث المكتبيِّ والوثائقيِّ.
2- المنهج التاريخيُّ: وهذا المنهج يعتمد على الوثائق ونقدها وتحديد الحقائق التاريخيَّة، ومن بعد مرحلة التحليل هذه تأتي مرحلة التركيب حيث يتمُّ التأليف بين الحقائق وتفسيرها؛ وذلك من أجل فهم الماضي ومحاولة فهم الحاضر على ضوء الأحداث والتطوُّرات الماضيـة.
3- المنهج التجريبيُّ: وينقسم إلى: المنهج الفلسفيِّ الهادف إلى نقد الخبرة البشريَّة من ناحية الإجراءات المتَّبعة في الوصول إليها وفي مضمون الخبرة أيضاً، والمنهج التنبؤيِّ الساعي إلى الكشف عن الطريقة التي تسلكها أو تتَّبعها متغيِّراتٌ معيَّنة في المستقبل، والمنهج الاجتماعيِّ الهادف إلى دراسة حالات من العلاقات البشريَّة المحدَّدة كما يرتبط بتطوُّر الجماعات البشريَّة، ذكر في: (محمَّد الهادي، 1995م، ص ص98-100).
والتربية تستفيد في دراساتها من تلك المناهج الرئيسة وتستخدم مناهج َمتفرِّعة منها وتصبغ بعضها بصبغة تربويَّة تكاد تجعلها قاصرةً على موضوعاتها، وسترد إشارةٌ إليها لاحقَا، ولا يقف الباحثون في التربية الإسلاميَّة عند تصنيفات الكتب المتخصِّصة في طرق البحث في ميدان التربية وعلم النفس عند الطرق السابقة بل يتعدَّونها ليضيفوا الطريقةَ الاستنباطيَّة، تلك الطريقة التي كانت أسلوب البحث في استنباط الأحكام الفقهيَّة لدى الفقهاء المسلمين، (فودة؛ عبدالله، 1991م، ص41).
اختبار الفرضيَّات واستخدام مناهج البحث:
إنَّ ما يهمُّ الباحثين في دراساتهم هو عمليَّات اختبار فرضيَّاتهم، وهي ما تركِّز عليها طرق ومناهج البحث، فالطرق والمناهج المستخدمة في حلِّ مشكلات البحوث ذات أهميَّة بالغة؛ لأنَّ استخدام المناهج الخاطئة لا توصِّل الباحث إلى حلٍّ صحيح إلاَّ بالمصادفة، وعلى ذلك فإنَّ الباحثَ يجب أن يتقن المناهج التي ثبت نجاحها في مجاله العلميِّ، وأن يكتسب مهارةَ استخدامها بالممارسة العمليَّة بالدرجة الأولى، واختيار المناهج الصحيحة يعتمد على طبيعة مشكلة الدراسة نفسها؛ ذلك أن المشكلات المختلفة لا يتمُّ حلُّها بنفس الطريقة، كما أنَّ البيانات المطلوبة للمعاونة في الحلِّ تختلف بالنسبة لهذه المشكلات أيضاً، ونتيجة لذلك فينبغي قبل اختيار المنهج البحثيِّ الصحيح أن يدرس الباحث مشكلة دراسته في ضوء خواصِّها المميِّزة والبيانات والمعلومات المتوفِّرة، (بدر، 1989م، ص188).
ومناهج البحث باعتبارها لازمة لاختبار الفرضيَّات تتضمَّن الخطوات الرئيسة التالية:
1) تحديد وتعيين مكان البيانات والمعلومات الضروريَّة وتجميعها فهي تشكِّل الأساس لأيِّ حلٍّ لمشكلة الدراسة.
2) تحليل وتصنيف البيانات والمعلومات المجموعة وذلك للوصول إلى فرضٍ مبدئيٍّ يمكن اختباره والتحقُّق من صحَّته أو من خطئه.
وتنبغي الإشارة إلى أنَّه من المرغوب فيه في أي دراسة استخدام منهجين أو أكثر من مناهج البحث لحلِّ مشكلة الدراسة، فليس هناك من سبب يحول بين الباحث ومحاولة الوصول إلى حلِّ مشكلة دراسته بدراسة تاريخها عن طريق فحص الوثائق وهو ما يعرف بالمنهج الوثائقيِّ أو التاريخيِّ ثمَّ تحديد وضع المشكلة في الحاضر بنوع من المسح وهو ما يعرف بالمنهج الوصفيِّ، (بدر، 1989م، ص189).
وعموماً يجب التأكيد على مبدأ معيَّن وهو أنَّ الفرضيَّات لا يتمُّ اختبارُها والمشكلات البحثيَّة لا تتمُّ حلولُها بمجرد ومضات البداهة برغم أهميَّتها وقيمتها، ولا بمجرد الخبرة، وبمعاملتها بالمنطق والقياس وحدهما، فمشكلات البحث تتطلَّب اتِّباع مناهج للدراسة يتمُّ التخطيط لها بعناية لتحاشي أخطاء التقدير أو التحيُّز أو غير ذلك من الأخطاء، وحتى يـبنى البحثُ على أساس متين من الدليل المقبول الذي يخدم النتائج التي ينتظر الوصول إليها، (بدر، 1989م، ص ص189-190)، لذلك يجب أن يكونَ المنهجُ الذي يختاره الباحثُ كامل الوضوح في ذهنه، وأن يكونَ ذلك المنهج محدَّداً في تفاصيله بحيث يكون الباحث مستعدّاً لشرح خطواته في سهولة ووضوح، فإذا لم يستطع الباحث ذلك فإنَّ ذلك يعني غموض خطَّته ومنهجه في ذهنه؛ وهذا يعني أنَّ وصوله إلى نتائج مُرْضِيَةٍ أمرٌ بعيد الاحتمال.
قواعد اختبار الفرضيَّات:
وعموماً هناك طرق علميَّة تسير فيها اختباراتُ الفرضيَّات، وهي ما تسمَّى أحياناً قواعد تصميم التجارب واختبارها، فقد درس ميل Mill مشكلة الأسباب التي يتناولها البحث التجريبيُّ وتوصَّل إلى قواعدَ خمسٍ يمكن أن تفيد كمرشد في تصميم التجارب واختبار الفرضيَّات والبحث عن تلك الأسباب، ولكن ميل Mill حذَر من أنَّ هذه القواعد ليست جامدةً كما أنَّها لا تصلح للتطبيق في جميع الحالات، ذكر في: (بدر، 1989م، ص214)، وفيما يلي تلك الطرق والقواعد:
1- طريقة الاتِّفاق: وهي طريقة تعترف بمبدأ السببيَّة العام المتمثِّل في أنَّ وجود السبب يؤدِّي إلى وجود النتيجة، وتشير هذه الطريقة إلى أنَّه إذا كانت الظروف المؤدِّية إلى حدث معيَّن تتَّحدُ جميعاً في عامل واحد مشترك فإنَّ هذا العامل يحتمل أن يكون هو السبب، وبمعنى آخر يمكن التعبير عن هذه الفكرة بالطريق السلبيَّة بالقول: بأنَّه لا يمكن أن يكون شيءٌ معيَّن هو سبب ظاهرة معيَّنة إذا كانت هذه الظاهرة تحدث بدونه، والصعوبة التي تواجه الباحث عند استخدامه طريقة الاتِّفاق تقع في تمييزه بين العوامل ذات الدلالة وذات العلاقة بالمشكلة والعوامل التي ليس لها أي دلالة أو علاقة بالمشكلة، ومعنى ذلك أنَّه لا بدَّ له أن يتحرَّى عن السبب الحقيقيِّ وأن يفصله عن السبب الظاهر، (بدر، 1989م، ص ص214-215).
2- طريقة الاختلاف: وتسير طريقة التباين أو الاختلاف في المقارنة بين حالتين متشابهتين في جميع الظروف ما عدا ظرف واحد يتوفَّر في إحدى الحالتين فقط، بينما لا يوجد في الحالة الأخرى وتكون هذه الظاهرة نتيجة أو سبباً لهذا الاختلاف، وهذا يعتمد أيضاً على مبدأ السببيَّة العام المتمثِّل في أنَّ وجود السبب يؤدِّي إلى وجود النتيجة، (محمَّد الهادي، 1995م، ص89)، ويمكن التعبير عن ذلك بطريقة سلبيَّة بالقول: بأنَّه لا يمكن أن يكون شيءٌ معيَّن هو سبب ظاهرة معيَّنة إذا كانت هذه الظاهرة لا تحدث في وجوده، وعلى كلِّ حال فيمكن القول: إنَّ الظروف المتشابهة بالنسبة لجميع العوامل فيما عدا عامل واحد أو متغيِّر واحد ظروف نادرة بالنسبة للعلوم السلوكيَّة، وهذا ما استدعى من القائمين بالبحوث كفالة الضمانات المطلوبة حتى تؤدِّي هذه الطريقة إلى نتائج موثوق بها وإلى تصميم التجارب بنجاح، (بدر، 1989م، ص ص216-217).
3- طريقة الاشتراك: تستخدم بتطبيق الطريقتين السابقتين لاختبار الفرضيَّات، فيحاول الباحث أولاً بتطبيق طريق الاتِّفاق العثور على العامل المشترك في جميع الحالات التي تحدث فيها الظاهرة، ثمَّ يطبِّق طريقة الاختلاف أي أن يتقرَّر لدى الباحث أنَّ الظاهرة لا تحدث أبداً عند عدم وجود هذا العامل المعيَّن، فإذا أدَّت كلا الطريقتين إلى نفس النتيجة فإنَّ الباحث يكون واثقاً إلى حدٍّ كبير أنَّه وجد السبب، (بدر، 1989م، ص ص217-218).
4- طريقة البواقي: حيث تبيَّن أنَّ بعض مشكلات البحوث لا تحلُّ بأيٍّ من الطرق السابقة، فإنَّ ميل Mill قدَّم طريقة العوامل المتبقِّية للعثور على السبب عن طريق الاستبعاد، وهذه الطريقة قد تسمَّى طريقة المرجع الأخير، (بدر، 1989م، ص218)، وهي أنَّه في حالة أن تكون مجموعة من المقدِّمات تؤدِّي إلى مجموعة من النتائج، فإذا أمكن إرجاع كلِّ النتائج ما عدا نتيجة واحدة إلى جميع المقدِّمات فيما عدا مقدِّمة واحدة أمكن ربط تلك المقدِّمة الباقية بتلك النتيجة الباقية؛ ممَّا يكشف أو يرجِّح وجود علاقة بينهما أي بين المقدِّمة والنتيجة الباقيتين، (محمَّد الهادي، 1995م، ص ص91-92).
5- طريقة التلازم: إذا لم يكن بالإمكان استخدام الطرق السابقة فإنَّ ميل Mill قدَّم للباحثين هذه الطريقة الخامسة التي تدعو في الواقع إلى أنَّه إذا كان هناك شيئان متغيِّران أو يتبدَّلان معاً بصفة منتظمة، فإنَّ هذه التغيُّرات التي تحدث في واحد منهما تنتج عن التغيُّرات التي تحدث في الآخر، أو أنَّ الشيئين يتأثَّران في ذات الوقت بسبب واحد مشترك، (بدر، 1989م، ص218)، ويكون هذا التلازم في التغيير فإذا تغيَّرت ظاهرة ما تغيَّرت معها ظاهرة أخرى، وهذا يعني أنَّ السبب في كلا الظاهرتين واحد فتتغيَّر ظاهرة بتغيُّر الأخرى، وقد تكون الظاهرتان متلازمتين تلازماً شديداً ممَّا يتيح الفرصة ويفسح المجال بعد ذلك للبحث عن العلاقة الحقيقيَّة بينهما، علماً أنَّه إذا كانت هناك علاقةٌ سببيَّة بين متغيِّرين فلا بدَّ أن يكون هناك ترابط أو تلازم بينهما، فالتلازم ليس شرطاً للعلاقة السببيَّة، ولكن السببيَّة شرطٌ للتلازم، (أبو راضي، 1983م، ص ص622-623).
ولا شكَّ في أنَّ هناك ثلاثة جوانب مهمَّة في استخدام منهج ما لحلِّ مشكلة البحث تتحكَّم في نتائج الدراسة، هي:
1- كفاية البيانات: فعلى الباحث أن يسأل نفسه دائماً وقبل إنهاء دراسته عمَّا إذا كان الدليل الذي قدَّمه يعدُّ كافياً لتدعيم وتأييد النتائج التي يصل إليها، وما مقدار الثقة فيه؛ ذلك أنَّه إذا كان الدليل ضعيفاً أو غير كافٍ فإنَّ النتائج لا يمكن اعتبارها مقنعة أو نهائيَّة.
2- معالجة البيانات: إذ يجب أن ينظر الباحث إلى الدليل بحرص ونظرة ثاقبة للتأكُّد من دقَّته وأصالته وصدقه، فالأخطاء قد تحدث إذا وجد تضليل في الاستبيان كالأسئلة الإيحائيَّة، أو عدم قراءة الوثيقة والاطِّلاع عليها اطِّلاعاً سليماً، أو عدم أخذ جميع المتغيِّرات في الاعتبار، كلُّ هذه الأخطاء يمكن أن تقضي على العمل الدقيق في الدراسة.
3- استخراج النتائج: إنَّ فهماً يختلف عمَّا تحتويه البيانات والمعلومات المعالجة يؤدِّي إلى نتائج خاطئة، كما أنَّ على الباحث أن يقاوم رغبته في أن يحمِّل الدليل ما كان يتمنَّى أن يكون فيه، (بدر، 1989م، ص ص190-191).
مناهج البحث التربويِّ:
تتَّصل مناهجُ البحث العلميِّ التربويِّ اتِّصالاً وثيقاً بالإستراتيجيَّة التربويَّة؛ لأنَّ وضع الإستراتيجيَّات التربويَّة وتخطيطها يعتمد على حاجة المجتمع وإمكاناته الماديَّة والمعنويَّة والبشريَّة، وعموماً فإنَّ تطبيق الإستراتيجيَّات التربويَّة يتَّصل اتِّصالاً وثيقاً بالأمور الآتية:
1) تفهُّم الإدارة التربويَّة للحاجة إلى التجديد والتطوير والمعاونـة في ذلك.
2) إعداد الوسائل والأجهزة والكوادر البشريَّة اللازمة لتطبيقه من متخصِّصين وفنيِّين.
3) تشجيع ومعاونة المهتمِّين بالتطوير في حقل التربية لتحديد مجالاته ومجالات الإبداعات وعمل البحوث العلميَّة اللازمة المتعلِّقة بهما.
وللقيام بالبحوث التربويَّة على الباحث أن يتَّبع الخطوات الآتيـة:
1) معرفة النظام التربويِّ المراد إجراء البحوث فيه ودراستـه دراسة متعمِّقة.
2) تحسُّس مواضع الخلل في النظام التربويِّ ونواحي القصور فيه عند بلوغ الغاية الموضوع من أجلها، ألا وهي مدُّ المجتمع بما يحتاج إليه من خبرات ومهارات وتخصُّصات بصورة مستمرَّة وحسبما تتطلَّبه الحاجـة.
3) تحديد اختبارات الفرضيَّات المقترحة كحلول ثمَّ اختيار عددٍ منها بحسب الحاجـة.
4) تطبيق اختبارات الفرضيَّات واحداً واحداً والقيام بالتجارب اللازمة عليها قبل تعميمها ثمَّ تحديدها.
5) توفير الوسائل اللازمة لعمل البحوث ولإظهار نتائجها.
6) تعميم النتيجة والتغيير المرغوب فيه.
وهذه الأمور لا تخرج عن الطريقة العلميَّة للبحث والتي تؤكِّد على ملاحظة الظاهرة موضوع البحث عن طريق الشعور بالمشكلة ثمَّ تحديدها، فافتراض الفرضيَّات لحلِّها، ثم اختبار الفرضيَّات المختارة بعد توفير الوسائل اللازمة لذلك، ومن ثمَّ وبعد الوصول إلى النتائج العمل على نشر التغيير المطلوب وتعميمه ليستفيد منه الأفراد والمجتمع، ولا بدَّ لأيِّ بحثٍ تربويٍّ أن يأخذ بعين الاعتبار وعلى قدم المساواة مجموعةَ الأغراض والأهداف التعليميَّة، ومجموعةَ المعتقدات عن الطريقة التي يتعلَّم بها الناس، والبرنامجَ التعليميَّ المخطَّط لتسير بموجبه العمليَّة التعليميَّة والتربويَّة، فإذا ترك أحدها دون تغيير أو تطوير فإنَّ التغيير الذي يحدث بين الاثنين الآخرين لا يكون له التأثير المرغوب فيه في العمليَّة التعليميَّة والتربويَّة، (القاضي، 1404هـ، ص85).
وينصبُّ اهتمام البحثِ التربويِّ على حقول التربية والتعليم وما يمتُّ لها بصلة قريبةٍ أو بعيدة وهذا يشمل حقول المناهج، وإعداد المعلِّمين، وطرائق التدريس، وإستراتيجيَّات التدريس، والوسائل التعليميَّة وتقنيات التعليم، والإدارة التربويَّة ، والتسرُّب، وأساليب التقويم وغيرها، وحيث يعدُّ البحث التربويُّ فرعاً من فروع البحث العلميِّ، يتَّبعه في كثيرٍ من أهدافه ووسائله وأصوله، فإنَّ الباحث في الموضوعات والحقول السابقة يسير بدراستها بحسب خطوات البحث العلميِّ خطوة خطوة أحياناً، أو يعدُّ لها حتى تتمشَّى مع متطلَّبات وأهداف البحث التربويِّ ولكنَّها في النهاية تلتقي مع خطوات البحث العلميِّ بصورة عامَّة، ويصنَّف التربويُّون أبحاثهم (القاضي، 1404هـ، ص ص88-89)، كالآتي:
1- البحث التجريبيُّ: يعتمد على التجربـة الميدانيَّة التطبيقيَّة، ويستخدم للمفاضلة بين أسلوبين أو طريقتين لاختيار أحدهما أو إحداهما للتطبيق مباشرةً أو للتطبيق بعد التعديل حسبما تدعو إليه النتائج والحاجـة.
2- البحث التحليليُّ: يعتمد على جمع البيانات والمعلومات المتعلِّقة بنشاطٍ من النشاطات التربويَّة ثمَّ تحليل تلك المعلومات والبيانات المجموعة لاستخلاص ما يمكن استخلاصه لتقرير ذلك النشاط أو تعديلـه.
3- البحث الوصفيُّ: يستخدم هذا النوع بتجميع المعلومات والبيانات لتكوين فكرة واضحة وصورة متكاملة عن مشكلة تعليميَّة أو تربويَّة، ومن عيوبه محدوديَّـة فترته الزمنيَّة ممَّا يحدُّ من إمكانيَّة تعميم نتائجـه، فدراسة أسباب التخلُّف الدراسيِّ ترتبط في بيئةٍ معيَّنة في زمن محدَّد، قد تقف آثارها في بيئة أخرى أو بعد فترة زمنيَّة للبيئة مكان الدراسة، كما أنَّ وصف ظاهرة معيَّنة وتبيان مدى انتشارها قد يوحي بتقبُّل المجتمع لها، وهذا أمر يجب أن يُحذر منه.
4- البحث التقويميُّ: يستخدم هذا النوع من أنواع البحوث التربويَّة معاييرَ ومقاييسَ معترفاً بها ، فيتمُّ قياس أو تقويم النشاطات التعليميَّة والتربويَّة في مدرسة ما أو في منطقة ما.
يقول عودة وملكاوي (1992م): تثير محاولة تصنيف البحوث في ميدان التربية والتعليم مشكلة لا يوجد اتِّفاق حولها؛ حيث تستخدم أسسٌ على اعتبارها معايير للتصنيف ينتج عنها أنظمة تصنيفيَّة متعدِّدة، ويضع أيُّ نظام للتصنيف إطاراً لفهم المبادئ الأساسيَّة في عمليَّة البحث (منهج البحث)؛ ولذلك فإنَّ نظام التصنيف ليس مهمّاً في حدِّ ذاته إلاَّ بقدر ما يخدم عمليَّات البحث وخطواته بطريقة واضحة مفهومة، (ص95)، لذلك يمكن تصنيف البحوث في ميدان التربية والتعليم من زاويا غير الزاوية التي صنَّفتها إلى بحوث تحليليَّة، وبحوث تجريبيَّة، وبحوت وصفيَّة، وبحوث تقويميَّة باستخدام معايير تصنيفيَّة أخرى، منها تصنيف الأبحاث في ميدان التربية والتعليم إلى: البحث التربويِّ والبحث في التعليم، وإلى البحث التربويِّ والبحث والتطوير، كما يمكن تصنيف البحوث التربويَّة على أساس المعيار الزمني.
البحث التربويُّ والبحث في التعليم:
لقد أجريت عشراتُ الآلاف من الأبحاث والدراسات في مختلف المجالات التربويَّة والتعليميَّة، وقد كان الهدفُ الأساسيُّ لتلك الأبحاث هو زيادة المعرفة بعمليَّة التعلُّم والتعليم ولكنَّ الجانب الأول (التعلُّم) حظي بأكثرها واستأثر بمعظم جهود الباحثين وذلك على حساب الجانب الثاني (التعليم)، فلا تزال المعرفة التربويَّة بعمليَّة التعليم الصَّفِّيِّ قليلةً للغاية، وما ازداد اهتمام الباحثين التربويِّين بعمليَّة التعليم الصَّفِّيِّ إلاَّ انطلاقاً من اعتقادهم بأنَّ دراسة عمليَّة التعليم هي الإطار الذي يجب أن يحكم النشاطَ والعملَ التربويَّ؛ فقد لاحظوا أنَّ نتائج البحث في عمليَّة التعلُّم الذي كان اتِّجاه الباحثين لفترة طويلة لم تكن لها آثار مباشرة وسريعة على التعليم الصَّفِّيِّ وأنَّ على الباحثين أن يهتمُّوا بإدراك الطبيعة الفرديَّة والحيويَّة لعمليَّة التعليم والاعتماديَّة المتبادلة بين التعليم والتعلُّم.
وإزاء هذا التًّوجُّه في اهتمامات الباحثين نحو البحث في عمليَّة التعليم فقد بلوروا منهجاً للبحث في ذلك، وحدَّدوا مفهوم البحث في التعليم بالبحث المتعلِّق بالمفاهيم والطرق والإجراءات الخاصَّة بمشاهدة عمليَّة التعليم في حجرة الصَّف، ومن أمثلة البحوث في ذلك ما يأتي:
1) رصد وتحليل التفاعل الصَّفِّيِّ.
2) الربط بين التلاميذ والأنشطة التعليميَّة الصَّفِّيَّة.
3) تطوير أدواتٍ ومقاييسَ للمشاهدة المنظَّمة للتعليم الصَّفِّيِّ.
4) السلوك التعليميُّ للمعلِّم.
5) العمليَّات العقليَّة في حجرة الصَّف.
6) التفاعل بين القدرة العقليَّة وأساليب التعليم وأثره على التحصيل.
وقد تبيَّن للباحثين بأنَّ المهمَّة المتعلِّقة بالبحث في التعليم أصعبُ ممَّا تصوَّروها مسبقاً؛ ممَّا يستدعي توافر عدد أكبر بكثير من خلفيَّات تخصُّصيَّة كالفلسفة، وعلم الاجتماع، وعلم السياسة والاقتصاد بالإضافة إلى المختصِّين في علم النفس التربويِّ الذين سيطروا على ميدان البحث وحدهم فترة طويلة، (عودة؛ ملكاوي، 1992م، ص ص104-105).
البحث التربويُّ والبحث والتطوير:
يشكو التربويُّون الذين يعملون في الميدان من اتِّساع الفجوة بينهم وبين البحوث ونتائجها، كما تصعب عليهم ترجمةُ البحوث ونتائجها إلى إستراتيجيَّات تتعامل مع المشكلات التربويَّة التي يواجهونها، ومن تلك الشكوى ومن تلك الصعوبة ظهر ما يسمَّى البحث والتطوير والذي يختلف عن البحث التربويِّ في أنَّ البحث التربويَّ يهدف إلى اكتشاف معارف تربويَّة جديدة من البحوث الأساسيَّة (البحتة) أو الإجابة عن أسئلة حول مشكلاتٍ عمليَّة من خلال البحوث التطبيقيَّة، وأنَّ البحثَ والتطوير يهدف إلى استخدام نتائج البحوث التربويَّة في تطوير نواتج ومواد وإجراءات تربويَّة لخدمة الميدان العمليِّ في التعليم ولذلك يمكن تسمية البحث والتطوير بالتطوير المرتكز على البحث.
ويختلف البحث التربويِّ عن البحث والتطوير أيضاً في خطوات البحث، فخطوات البحث التربويِّ هي خطوات البحث العلميِّ (التي أشير إليها سابقاً في هذا البحث) بينما خطوات البحث والتطوير شيءٌ آخر، يمكن إبرازها بالآتي:
1) تحديد الهدف أو الناتج التربويِّ.
2) مراجعة نتائج البحوث التربويَّة وتحديد ما يخدم منها الناتج أو الهدف المقصود.
3) بناء نموذج أوليٍّ للناتج المرغوب.
4) اختبار فعاليَّة النموذج في مواقف حقيقيَّة باستخدام معايير أو محكَّات محدَّدة.
5) إعادة النظر في النموذج بناءً على درجة تحقيقه الغرضَ.
6) تكرار الخطوتين السابقتين خلال فترة معيَّنة إلى أن تصل إلى المستوى المطلوب.
وهكذا فإنَّ مصطلح دراسة تحليل الدراسات السابقة الذي اقترحه الباحث الأمريكي جلاس Class عام 1976م في مقالةٍ له بمجلَّة الباحث التربويِّ أصبح عنواناً على نوعٍ من الدراسات يقوم فيها الباحث بمراجعة تحليليَّة ناقدة ودقيقة لمجموعة الدراسات التي أجراها الباحثون في موضوعٍ تربويٍّ معيَّن، ويعرِّفها ماكميلان وشوماخر بأنَّها إجراءاتٌ محدَّدة لمراجعة الدراسات السابقة حول موضوع معيَّن باستخدام تقنيَّات مناسبة للجمع بين نتائجها، (عودة؛ ملكاوي، 1992م، ص ص106-108).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق